أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

العرب:

تحديات وفرص دمج التكنولوجيا المتطورة في المجتمعات

21 يونيو، 2024


على الرغم من الأوجه الإيجابية لتوظيف القدرات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والروبوتات وغيرها في تعزيز رفاهية الأفراد والمجتمعات، من خلال تحسين الخدمات العامة، كالرعاية الصحية والنقل والتعليم والزراعة وحماية البيئة ومصادر الطاقة وغيرها، إلا أن هناك أبعاداً سلبية لهذا التوظيف في مجالات الحياة اليومية مثل، الإضرار بالخصوصية والأمان، فضلاً عن أن الأتمتة والتكنولوجيا المتطورة قد تقلّص فرص العمل؛ ومن ثم تزيد معدلات البطالة والاضطرابات الاجتماعية بفعل عدم المساواة.

من هنا، تأتي أهمية كتاب “الذكاء الاصطناعي ومجتمع 5.0: القضايا، الفرص والتحديات” الذي حرره فيكاس خولار وآخرون، وصدر مؤخرا، إذ يناقش فكرة دمج التكنولوجيا المتطورة في المجتمعات، لكن على أساس إعطاء الأولوية للاحتياجات والمتطلبات الإنسانية. هنا، يشير مفهوم مجتمع 5.0 إلى المجتمع فائق الذكاء، الذي يكون الإنسان محوره، إذ تتوافق فيه التنمية الاقتصادية والقضايا الاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة، من خلال نظام متكامل يجمع الفضاءين الإلكتروني والمادي. ويُعد هذا المجتمع المرحلة الخامسة من تطور المجتمعات البشرية، إذ سبقتها أربع مراحل أساسية هي: مجتمع الصيد (1.0)، المجتمع الزراعي (2.0)، المجتمع الصناعي (3.0)، مجتمع المعلومات (4.0).

كانت الحكومة اليابانية قد أطلقت مفهوم مجتمع 5.0 في عام 2016، ضمن خطة لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء وغيرها في المجتمع، بشكلٍ يلبي احتياجاته ومتطلباته الأساسية، وبما يوفر نوعية حياة ذات جودة عالية لجميع أفراده، وتكون لديه أيضا المرونة والقدرة على مجابهة التحديات والمخاطر. 

● أولوية الإنسان: تأتي الحاجة إلى تحقيق تنمية تتمحور حول الإنسان، وتعطي أولوية لاحتياجاته ومتطلباته، في ظل سياق عالمي حافل بالضغوط والتحديات من قبيل: التدهور البيئي، عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، الزيادة السكانية. ويتطلب التعامل مع تلك التحديات دمج التقنيات الرقمية والمادية مثل، التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مراحل التطور الإنساني. 

وتُعد التكنولوجيا المتطورة وسيلة لدعم الاقتصاد الرقمي، وتقديم وتحسين الخدمات الاجتماعية الأخرى كالرعاية الصحية والتعليم والنقل وإدارة الطاقة، من خلال تعظيم الاستفادة من البيانات التي تنتجها الأجهزة والأنظمة الرقمية لدعم عملية صنع السياسات الخاصة بتلك القطاعات، وبما يساعد بصورة كبيرة على الحد من تغير المناخ والفقر وتفشي الأمراض في المجتمعات. إلا أن ذلك، يتطلب بطبيعة الحال، معالجة التداعيات الأخلاقية والقانونية والاجتماعية، بما يضمن الحفاظ على الأمان والخصوصية، لكن هنالك تحديات أخرى ينبغي التعامل معها، من أبرزها:

● تنمية الإملاءات: أي أن تنفيذ التنمية في ظل الثورة الصناعية الرابعة يعتمد على إستراتيجيات وسياسات وبرامج من أعلى إلى أسفل، وهي تتجاهل بصورة كبيرة احتياجات وطموحات الناس، مما أدى إلى نتائج إنمائية مخيبة للآمال. يتطلب هذا الأمر من القائمين على عملية التنمية تغيير تلك الإستراتيجيات بحيث يتم تمكين الناس من المشاركة في تلك العملية بل ووضع السياسات والبرامج التي تلبي احتياجات الإنسان أولاً.

● ضعف الموارد: أحد أبرز التحديات التي تواجه عملية التنمية، خاصة في مجتمعات الدول النامية تكمن في محدودية الموارد والقدرات؛ ومن ثم يجب على الحكومات والمنظمات الدولية، الاستثمار في المؤسسات والمجتمعات المحلية للمشاركة في التنمية وتنفيذ برامج محددة، وهذا الأمر قد تسهم في معالجته التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي توظّف الموارد بالشكل الأمثل بما يحقق تطلعات تلك الشعوب.

● غياب الاستقرار: إن غياب الاستقرار السياسي والفساد وسوء الإدارة تعوق بصورة كبيرة التقدم في العديد من الدول والمجتمعات، كما أن الأعراف الثقافية والمجتمعية تقيد بصورة كبيرة برامج التنمية، لذا فإن التنمية القائمة على الإنسان تستهدف التصدي لتلك التحديات عبر المزيد من المشاركة والتعاون مع المجتمعات المحلية لفهم المعايير الثقافية والاجتماعية، وبناء برامج ذات صلة ثقافيا لمعالجة هذه الصعوبات. 

● أبعاد تكاملية: وضع الكتاب عدة دعائم وركائز متكاملة لنجاح المجتمع فائق الذكاء المستند على أدوات التكنولوجيا الحديثة في تحقيق متطلبات التنمية المرتكزة على الإنسان، من أبرزها ما يلي:

● تعزيز البنية التحتية لأنظمة الذكاء الاصطناعي: إذ يجب أن تكون هناك بنية تحتية تكنولوجية قوية من أنظمة معلومات وشبكات لاسلكية والأنظمة السحابية، بما يساعد على تحقيق مجتمع مستقبلي مستدام. يتطلب ذلك هياكل تنفيذية متعددة منها، أنظمة نقل ذكية، ومبانٍ ذكية، وشبكات ذكية، تساعد على العمل بسلاسة، عبر جمع وتحليل البيانات من العالم المادي قبل نقلها إلى النظم السحابية، كما تعمل البيانات الضخمة على تحسين عملية صنع القرار، والتنبؤ بالاتجاهات، وإيجاد الأنماط التي تعزز كافة القطاعات الخدمية. 

على سبيل المثال، يساعد الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة على إنشاء أنظمة ذكية تعزز الإنتاجية في العديد من الصناعات؛ مما يجعل المجتمع مرتبطا بشكل متزايد. مع ذلك، تنشأ المخاوف بشأن الخصوصية والأمن والتوظيف مع تحول المجتمع إلى الرقمنة؛ لذا يجب على صناع السياسات وقادة الأعمال والمواطنين العمل معاً لتوزيع فوائد المجتمع القائم على التكنولوجيا بشكل عادل ومنصف. 

التوظيف الأمثل للبيانات: تُشير البيانات الضخمة إلى الحجم الهائل من البيانات المنظمة وغير المنظمة التي يتم إنشاؤها كل يوم، وتأتي البيانات الضخمة من مصادر متنوعة بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والمعاملات عبر الإنترنت، والبيانات التي يتم إنشاؤها آليا من أجهزة الاستشعار والأجهزة، وتتم معالجتها عبر تقنيات البيانات، وهو ما يمكّن المؤسسات من معالجة وتخزين وتحليل كميات كبيرة من البيانات التي تساعد بصورة فعّالة على اكتشاف التفضيلات المختلفة للعملاء والتطلعات حول طبيعة الخدمات المستهدفة.

● إدارة الطاقة: إن الشبكات الذكية التي تغذيها إنترنت الأشياء وإدارة الطاقة، توفر طريقة مبتكرة لتنظيم استخدام الطاقة وتحسينها، مع خفض التكاليف وتقليل التأثير البيئي، إذ تساعد تلك التقنيات على مراقبة وإدارة إنتاج واستهلاك الطاقة. فباستخدام أجهزة الاستشعار والأجهزة، التي تدعم إنترنت الأشياء، يمكن التقاط بيانات الطاقة وتحليلها ومشاركتها في الوقت الفعلي عبر الشبكة، وبالتالي يمكن تحسين فهم اتجاهات استهلاك الطاقة وأداء الشبكات وصيانة المعدات بمساعدة هذه البيانات المخزنة فيها.

● دعم الأمن الزراعي: يتمثل أحد أبعاد مجتمع المرحلة الخامسة للبشرية في تعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع الزراعة، ويُعد هذا البعد ضروريا للأمن الغذائي. وفي ظل التقديرات بتجاوز عدد سكان العالم 10 مليارات نسمة في عام 2050؛ فإن هذا الأمر يتطلب إنتاجا إضافيا للغذاء. ويستهدف المجتمع القائم على التكنولوجيا تحقيق “الزراعة الذكية” التي تستخدم التكنولوجيا والأساليب الحديثة في مراحل مختلفة من إنتاج الغذاء لتحسين جودة الغذاء وإنتاجيته. ويلجأ هذا النوع من الزراعة الذكية إلى أجهزة استشعار للكشف عن درجة الحرارة والضوء والضغط وغيرها بما يصل لاستدامة زراعية تلبي احتياجات السكان.

إضافة لذلك طرح الكتاب متطلبات أساسية للانتقال إلى المرحلة الخامسة للمجتمعات فائقة الذكاء والمتمحورة حول احتياجات الإنسان، ومن أبرزها: أهمية عقد النقاش الاجتماعي حول استخدام التكنولوجيا؛ إذ يوفر ذلك بيئة مناسبة للتواصل متعدد التخصصات ويعزز المشاركة الاجتماعية في الإجراءات المطلوبة للابتكار المستدام.  

وأبرز الكتاب أهمية ما توفره التكنولوجيا الحديثة من تعزيز لقوة ونفوذ الأفراد والمنظمات؛ ثمة أهمية لدعم البعد الأخلاقي، بما يساعد المجتمع على تقسيم مزايا التكنولوجيا الحديثة بشكلٍ عادل، ولاسيما أن غياب الأخلاق قد يؤدي إلى توظيف التكنولوجيا في تكريس عدم المساواة؛ ومن ثم إمكانية نشوء الاضطرابات والعنف الاجتماعي.

ولم يغب عن المؤلفين التطرق للتعلم الآلي لأمن إنترنت الأشياء، في ظل تدخل التكنولوجيا في كافة القطاعات الخدمية؛ بهدف إنشاء مجتمع فائق الذكاء؛ بحيث تكون جميع جوانب الحياة مترابطة ومتكاملة بشكل كبير ومدعومة بالتكنولوجيا المتقدمة؛ لذا، فإن أمان هذه الأجهزة أمر بالغ الأهمية لحماية المعلومات الشخصية، ومنع الهجمات الإلكترونية، وضمان السلامة، وحماية الملكية الفكرية، والحفاظ على ثقة المستخدمين.

جدير بالذكر أن حكومات عديدة حول العالم تواجه تحديات أمنية في الفضاء الإلكتروني، بما في ذلك انخفاض حواجز الدخول، والمخاوف المتعلقة بالخصوصية، والافتقار إلى الشفافية العامة.

ختاماً؛ إن تطور المجتمعات في العصر الراهن يشهد تقدما غير مسبوق في القطاعات المختلفة، عبر توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات وغيرها في تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة وتحقيق تنمية تتمحور حول الإنسان. وإذا كان المجتمع في ظل الثورة الصناعية الرابعة استند إلى دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب الحياة لدفع الإنتاجية والكفاءة والابتكار، فإن مجتمع 5.0 يتبنى نهجا أكثر شمولية، إذ يهدف إلى إنشاء مجتمع فائق الذكاء يعطي أولوية للاحتياجات والمتطلبات الإنسانية.

*لينك المقال في العرب*